سورة الشعراء - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)}
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: ثم إن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل فقال: {أسر بعبادي ليلاً} فأمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط، وأمر أن لا ينادي أحد منهم صاحبه، وأن يسرجوا في بيوتهم حتى الصبح، وأن من خرج منهم أمام بابه يكب من دم حتى يعلم أنه قد خرج، وأن الله قد أخرج كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل، وأخرج كل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط حتى أتوا آباءهم. ثم خرج موسى ببني إسرائيل ليلاً والقبط لا يعلمون، وألقى على القبط الموت فمات كل بكر رجل منهم، فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفاً. لا يعدون ابن عشرين لصغره، ولا ابن ستين لكبره، وإنما عدوا ما بين ذلك سوى الذرية.
وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها ماذيانة وذلك حين يقول الله: {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين، إن هؤلاء لشرذمة قليلون} فكان موسى على ساقة بني إسرائيل، وكان هارون أمامهم يقدمهم فقال المؤمن لموسى: أين أمرت؟ قال: البحر. فأراد أن يقتحم فمنعه موسى.
فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم قالوا: يا موسى {إنا لمدركون} قال موسى {كلا إن معي ربي سيهدين} يقول: سيكفين. فتقدم هارون فضرب البحر فأبى البحر أن ينفتح وقال: من هذا الجبار الذي يضربني؟ حتى أتاه موسى، فكناه أبا خالد وضربه {فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} يقول: كالجبل العظيم، فدخلت بنو إسرائيل وكان في البحر اثنا عشر طريقاً في كل طريق سبط، وكانت الطرق إذا انفلقت بجدران فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا. فلما رأى ذلك موسى صلى الله عليه وسلم دعا الله، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطبقات ينظر آخرهم إلى أولها حتى خرجوا جميعاً، ثم دنا فرعون وأصحابه فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال: ألا ترون إلى البحر منفلقاً قد فرق مني، فانفتح لي حتى أدرك أعدائي فاقتلهم، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم، فنزل على ماذيانة، فشامت الحصن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم. أمر الله البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم وتفرد جبريل بفرعون يمقله من مقل البحر، فجعل يدسها في فيه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال: ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل وعشرين ألفاً فصاعداً.
واتبعهم فرعون على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال ستمائة ألف وسبعون ألفاً.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي عبيدة. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال: كانوا ستمائة ألف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لشرذمة} قال: قطعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {لشرذمة} قال: الفريد من الناس.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان أصحاب موسى الذين جاوزوا البحر اثني عشر سبط، فكان في كل طريق اثنا عشر ألفاً كلهم ولد يعقوب عليه السلام».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال: هم يومئذ ستمائة ألف. ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.
وأخرج ابن مردويه بسندٍ واهٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان فرعون عدو الله حيث غرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائد، مع كل قائد سبعون ألفاً. وكان موسى مع سبعين ألفاً حين عبروا البحر».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: أوحى الله إلى موسى: أن أجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات من بني إسرائيل في بيت، ثم اذبح أولاد الضان فاضرب بدمائها على كل باب، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتاً على بابه دم، وسآمر الملائكة فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأهليهم، ثم اخبزوا خبز فطيرا فإنه أسرع لكم، ثم سر حتى تأتي البحر، ثم قف حتى يأتيك أمري. فلما أن أصبح فرعون قال: هذا عمل موسى وقومه، قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأهلينا.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن يحيى بن عروة بن الزبير قال: إن الله أمر موسى أن يسير ببني إسرائيل، وقد كان موسى وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع القمر، فدعا الله أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ، فلما سار موسى ببني إسرائيل، أذن فرعون في الناس {إن هؤلاء لشرذمة قليلون}.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب قال: خرج موسى من مصر ومعه ستمائة ألف من بني إسرائيل لا يعدون فيهم أقل من ابن عشرين ولا ابن أكثر من أربعين سنة فقال فرعون: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} وخرج فرعون على فرس حصان أدهم ومعه ثمانمائة ألف على خيل أدهم سوى ألوان الخيل، وكان جبريل عليه السلام على فرس شائع يسير بين يدي القوم ويقول: ليس القوم بأحق بالطريق منكم.
وفرعون على فرس أدهم حصان. وجبريل على فرس أنثى. فاتبعها فرس فرعون، وكان ميكائيل في أخرى القوم يقول: الحقوا أصحابكم حتى دخل آخرهم، وأراد أولهم أن يخرجوا فأطبق عليهم البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون قال: لما أراد موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر بلغ ذلك فرعون فقال: أمهلوهم حتى إذا صاح الديك فأتوهم. فلم يُصِحْ في تلك الليلة الديك، فخرج موسى ببني إسرائيل وغدا فرعون، فلما أصبح فرعون أمر بشاة فأتي بها فأمر بها أن تذبح ثم قال: لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع عندي خمسمائة ألف فارس. فاجتمعوا إليه فاتبعهم، فلما انتهى موسى إلى البحر قال له: وصيه يا نبي الله أين أمرت؟ قال: هاهنا في البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان طلائع فرعون الذين بعثهم في أثرهم ستمائة ألف ليس فيهم أحد إلا على بهيم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت سيما خيل فرعون الخرق البيض في أصداغها، وكانت جريدته مائة ألف حصان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف وهم ستة وثمانون انساناً ذكرهم وأنثاهم. فخرج بهم موسى يوم خرج وهم ستمائة ألف ونيف. وخرج فرعون على أثرهم يطلبهم على فرس أدهم على لونه من الدهم ثمانمائة ألف أدهم سوى ألوان الخيل، وحالت الريح الشمال. وتحت جبريل فرس وريق وميكائيل يسوقهم لا يشذ منهم شاذة إلا ضمه فقال القوم: يا رسول الله قد كنا نلقى من فرعون من التعس والعذاب ما نلقى فكيف إن صنعا ما صنعنا فأين الملجأ؟ قال: البحر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس. أنه قرأ {وإنا لجميع حاذرون} قال: مؤدون مُقِرّون.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الأسود بن يزيد انه كان يقرأها {وإنا لجميع حاذرون} يقول: مؤدون مقرون.
وأخرج عبد بن حميد عن الأسود. أنه كان يقرأها {وإنا لجميع حاذرون} يقول: رادون مستعدون.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. أنه كان يقرأ {وإنا لجميع حاذرون} يقول: مادّون في السلاح.
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال: قرأ عبيد {وإنا لجميع حاذرون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك {وإنا لجميع حاذرون} قال: مؤدون مقوّون في السلاح والكراع.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود {وإنا لجميع حاذرون} قال: مؤدون مقوّون في السلاح والكرام.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم. إنه كان يقرأها {وإنا لجميع حاذرون}.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس.
أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {وإنا لجميع حاذرون} ما الحاذرون؟ قال: التامون السلاح قال فيه النجاشي:
لعمر أبي أتاني حيث أمسى *** لقد تأذت به أبناء بكر
خفيفة في كتاب حاذرات *** يقودهم أبو شبل هزبر
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة {فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم} قال: كانوا في ذلك في الدنيا، فأخرجهم الله من ذلك، وأورثها بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ومقام كريم} قال: المنابر.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فأتبعوهم مشرقين} قال: اتبعهم فرعون وجنوده حين أشرقت الشمس {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} قال موسى وكان أعلمهم بالله {كلا إن معي ربي سيهدين}.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {فأتبعوهم مشرقين} مهموزة مقطوعة الألف.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فأتبعوهم مشرقين} قال: خرج أصحاب موسى ليلاً، فكسف القمر ليلاً وأظلمت الأرض فقال أصحابه: أن يوسف كان أخبرنا: أنا سننجى من فرعون، وأخذ علينا العهد لنخرجن بعظامه معنا، فخرج موسى من ليلته يسأل عن قبره، فوجد عجوزاً سألها على قبره، فأخرجته له بحكمها فكان حكمها أن قالت له: احملني فاخرجني معك، فجعل عظام يوسف في كساء. ثم حمل العجوز على كساء فجعله على رقبته وخيل فرعون في ملء أعنتها خضراء في أعينهم ولا يبرح حسه عن موسى وأصحابه حتى برزوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن عبد الله القسري: إن مؤمن آل فرعون كان امام القوم قال: يا نبي الله أين أمرت؟ قال: أمامك... قال: وهل أمامي إلا البحر؟ قال: والله ما كذبت ولا كذبت. ثم سار ساعة فقال مثل ذلك، فرد عليه موسى مثل ذلك قال موسى وكان أعلم القوم بالله {كلا إن معي ربي سيهدين}.


{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كالطود} قال: كالجبل.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله: {كالطود} قال: كالجبل.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: {الطود} الجبل.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وأزلفنا ثم الآخرين} قال: هم قوم فرعون قربهم الله حتى أغرقهم في البحر.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك الكلمات التي قالهن موسى حين انفلق البحر؟ قلت: بلى. قال: اللهم لك الحمد وإليك المتكل وبك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله» قال ابن مسعود: فما تركتهن منذ سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام: أن موسى لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء، والمكوّن لكل شيء، والكائن بعد كل شيء، اجعل لنا مخرجاً. فأوحى الله إليه {أن اضرب بعصاك البحر}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان البحر ساكناً لا يتحرك فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قيس بن عباد قال: لما انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر قالت بنو إسرائيل لموسى: أين ما وعدتنا؟ هذا البحر بين أيدينا، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا. فقال موسى للبحر: انفرق أبا خالد فقال: لن أفرق لك يا موسى انا أقدم منك وأشد خلقاً فنودي {أن اضرب بعصاك البحر}.
وأخرج أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه وابن عبد البر في التمهيد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: كتب صاحب الروم إلى معاوية يسأله عن أفضل الكلام ما هو؟ والثاني. والثالث. والرابع. وعن أكرم الخلق على الله، وأكرم الأنبياء على الله، وعن أربعة من الخلق لم يركضوا في رحم، وعن قبر سار بصاحبه، وعن المجرة، وعن القوس، وعن مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبله ولا بعده، فلما قرأ معاوية الكتاب قال: أخزاه الله وما علمي ما ههنا! فقيل له: اكتب إلى ابن عباس فسله.
فكتب إليه يسأله. فكتب إليه ابن عباس: إن أفضل الكلام لا إله إلا الله كلمة الاخلاص لا يقبل عمل إلا بها، والتي تليها سبحان الله وبحمده أحب الكلام إلى الله، والتي تليها الحمد لله كلمة الشكر، والتي تليها الله أكبر فاتحة الصلوات والركوع والسجود، وأكرم الخلق على الله آدم عليه السلام، وأكرم اماء الله مريم.
وأما الأربعة التي لم يركضوا في رحم فآدم، وحوّاء، والكبش الذي فدى به إسماعيل، وعصا موسى حيث ألقاها فصار ثعباناً مبيناً. وأما القبر الذي سار بصاحبه فالحوت حين التقم يونس، وأما المجرة فباب السماء، وأما القوس فإنها أمان لأهل الأرض من الغرق بعد قوم نوح، وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبله ولا بعده، فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل.
فلما قرأ عليه الكتاب أرسل به إلى صاحب الروم فقال: لقد علمت أن معاوية لم يكن له بهذا علم، وما أصاب هذا إلا رجل من أهل بيت النبوة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: جاء موسى إلى فرعون وعليه جبة من صوف، ومعه عصا فضحك فرعون. فألقى عصاه، فانطلقت نحوه كأنها عنق بختي فيها أمثال الرماح تهتز. فجعل فرعون يتأخر وهو على سريره فقال فرعون: خذها واسلم. فعادت كما كانت وعاد فرعون كافراً. فأمر موسى أن يسير إلى البحر، فسار بهم في ستمائة ألف، فلما أتى البحر أمر البحر إذا ضربه موسى بعصاه أن ينفرج له، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق منه اثنا عشر طريقاً، لكل سبط منهم طريق، وجعل لهم فيها أمثال الكوى ينظر بعضهم إلى بعض.
واقبل فرعون في ثمانمائة ألف حتى أشرف على البحر. فلما رآه هابه وهو على حصان له، وعرض له ملك وهو على فرس له أنثى، فلم يملك فرعون فرسه حتى أقحمه وخرج آخر بني إسرائيل، وولج أصحاب فرعون حتى إذا صاروا في البحر فاطبق عليهم، فغرق فرعون بأصحابه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوحى الله إلى موسى: أن اسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون. فأسرى موسى ببني إسرائيل ليلاً، فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الاناث، وكان موسى في ستمائة ألف، فلما عاينهم فرعون قال: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون، وإنا لجميع حاذرون} [ الشعراء: 54-56] فاسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون فقالوا: يا موسى {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا} [ الأعراف: 129] هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه قال: {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} [ الأعراف: 129] فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى إلى البحر: أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك. فثاب البحر له أفكل يعني رعدة لا يدري من أي جوانبه يضرب.
فقال يوشع لموسى: بماذا أمرت؟ قال: أمرت أن أضرب البحر. قال: فاضربه: فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريق كل طريق كالطود العظيم، فكان لكل سبط فيهم طريق يأخذون فيه، فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا؟ فقالوا لموسى: إن أصحابنا لا نراهم؟ قال: سيروا فانهم على طريق مثل طريقكم قالوا: لن نؤمن حتى نراهم قال موسى: اللهم أعني على أخلاقكم السيئة.
فأوحى الله إليه: أن قل بعصاك هكذا وأومأ بيده يديرها على البحر. قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا فصار فيها كوات ينظر بعضهم إلى بعض، فساروا حتى خرجوا من البحر.
فلما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون على البحر هو وأصحابه، وكان فرعون على فرس أدهم حصان، فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر، فتمثل له جبريل على فرس أنثى، فلما رآها الحصان اقتحم خلفها، وقيل لموسى {اترك البحر رهوا} [ الدخان: 24] قال: طرقاً على حاله. ودخل فرعون وقومه في البحر، فلما دخل آخر قوم فرعون وجاز آخر قوم موسى أطبق البحر على فرعون وقومه فأغرقوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن موسى حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون فأمر بشاة فذبحت، ثم قال: لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط. فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر فقال له: انفرق. فقال له البحر: لقد استكثرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم؟ ومع موسى رجل على حصان له فقال أين أمرت يا نبي الله بهؤلاء؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه. فاقتحم فرسه فسبح به ثم خرج فقال: أين أمرت يا نبي الله؟ قال: ما أمرت إلا بهذا الوجه. قال: ما كذبت ولا كذبت. فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر، فضربه موسى بعصاه فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقاً، لكل سبط طريق يتراءون، فلما خرج أصحاب موسى وتتام أصحاب فرعون التقى البحر عليهم فأغرقهم.
وأخرج عبد بن حميد والفريابي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: أن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا فقال لهم موسى: أيكم يدري أين قبره؟ فقالوا: ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل. فأرسل إليها موسى فقال: دلينا على قبر يوسف، فقالت: لا والله حتى تعطيني حكمي قال: وما حكمك؟ قالت: أن أكون معك في الجنة. فكأنه ثقل عليه ذلك فقيل له: اعطها حكمها. فانطلقت بهم إلى بحيرة مشقشقة ماء فقالت لهم: انضبوا عنها الماء ففعلوا قالت: احفروا. فحفروا فاستخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار».
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن سماك بن حرب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما أسرى موسى ببني إسرائيل غشيتهم غمامة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه. وقيل لموسى: لن تعبر إلا ومعك عظام يوسف قال: وأين موضعها؟ قالوا: ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها في الديار.
فرجع موسى فلما سمعت حسه قالت: موسى؟ قال: موسى. قالت: ما وراءك؟ قال: أمرت أن أحمل عظام يوسف. قالت: ما كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم قال: دليني على عظام يوسف قالت: لا أفعل إلا أن تعطيني ما سألتك قال: فلك ما سألت قالت: خذ بيدي. فأخذ بيدها فانتهت به إلى عمود على شاطىء النيل في أصله سكة من حديد موتدة فيها سلسلة فقالت: انا دفناه من ذلك الجانب. فأخصب ذلك الجانب وأجدب ذا الجانب، فحولناه إلى هذا الجانب فاخصب هذا الجانب وأجدب ذاك، فلما رأينا ذلك جمعنا عظامه فجعلناها في صندوق من حديد، وألقيناه في وسط النيل فأخصب الجانبان جميعاً.
فحمل الصندوق على رقبته وأخذ بيدها فألحقها بالعسكر وقال لها: سلي ما شئت قالت: فإني أسألك أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنة، ويرد علي بصري وشبابي حتى أكون شابة كما كنت. قال: فلك ذلك».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: أوصى يوسف عليه السلام إن جاء نبي من بعدي فقولوا له: يخرج عظامي من هذه القرية. فلما كان من أمر موسى ما كان يوم فرعون فمر بالقرية التي فيها قبر يوسف، فسأل عن قبره فلم يجد أحد يخبره فقيل له: هاهنا عجوز بقيت من قوم يوسف. فجاءها موسى عليه السلام فقال لها: تدليني على قبر يوسف؟ فقالت: لا أفعل حتى تعطيني ما اشترط عليك. فأوحى الله إلى موسى: أن أعطها شرطها قال لها: وما تريدين؟ قالت: أكون زوجتك في الجنة. فاعطاها فدلته على قبره.
فحفر موسى القبر ثم بسط رداءه وأخرج عظام يوسف فجعله في وسط ثوبه، ثم لف الثوب بالعظام فحمله على يمينه فقال له الملك الذي على يمينه: الحمل يحمل على اليمين! قال: صدقت هو على الشمال وإنما فعلت ذلك كرامة ليوسف.
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان يوسف عليه السلام قد عهد عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر. قال: فتجهز القوم وخرجوا فتحيروا فقال لهم موسى: إنما تحيركم هذا من أجل عظام يوسف فمن يدلني عليها؟ فقالت عجوز يقال لها شارح ابنة آي بن يعقوب: أنا رأيت عمي يوسف حين دفن فما تجعل لي إن دللتك عليه؟ قال: حكمك.
فدلته عليه فأخذ عظام يوسف، ثم قال: احتكمي قالت: أكون معك حيث كنت في الجنة.
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. أن الله أوحى إلى موسى: أن أسر بعبادي. وكان بنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون حلياً وثياباً. إن لنا عيداً نخرج إليه فخرج بهم موسى ليلاً وهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيف. فذلك قول فرعون {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} وخرج فرعون ومقدمته خمسمائة ألف سوى الجنبين والقلب، فلما انتهى موسى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه، فمشى على الماء، واقتحم غيره بخيولهم فوثبوا في الماء، وخرج فرعون في طلبهم حين أصبح وبعدما طلعت الشمس، فذلك قوله: {فأتبعوهم مشرقين، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون} فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه وقيل له: اضرب بعصاك البحر. ففعل {فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} يعني الجبل. فانفلق منه اثنا عشر طريقاً فقالوا: انا نخاف أن توحل فيه الخيل. فدعا موسى ربه فهبت عليهم الصبا فجف، فقالوا: انا نخاف أن يغرق منا ولا نشعر، فقال بعصاه فنقب الماء فجعل بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضاً، ثم دخلوا حتى جاوزوا البحر.
وأقبل فرعون حتى انتهى إلى الموضع الذي عبر منه موسى وطرقه على حالها فقال له أدلاؤه: إن موسى قد سحر البحر حتى صار كما ترى، وهو قوله: {واترك البحر رهواً} [ الدخان: 24] يعني كما هو. فحذ هاهنا حتى نلحقهم وهو مسيرة ثلاثة أيام في البحر.
وكان فرعون يومئذ على حصان، فأقبل جبريل على فرس أنثى في ثلاثة وثلاثين من الملائكة، ففرقوا الناس وتقدم جبريل فسار بين يدي فرعون وتبعه فرعون، وصاحت الملائكة في الناس: الحقوا الملك. حتى إذا دخل آخرهم ولم يخرج أولهم؛ التقى البحر عليهم فغرقوا. فسمع بنو إسرائيل وجبة البحر حين التقى فقالوا: ما هذا؟ قال موسى: غرق فرعون وأصحابه. فرجعوا ينظرون فألقاهم البحر على الساحل.
وأخرج ابن عبد الحكم وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال: كان جبريل بين الناس. بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فيقول: رويدكم ليلحقكم آخركم. فقالت بنو إسرائيل: ما رأينا سائقاً أحسن سياقاً من هذا. وقال آل فرعون: ما رأينا وازعاً أحسن زعة من هذا.
فلما انتهى موسى وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون. يا نبي الله أين أمرت؟ هذا البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون فقال: أمرت بالبحر. فاقتحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع، وكان الله قد أوحى إلى البحر: أن أطع موسى وآية ذلك إذا ضربك بعصا، فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر، فضربه {فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} فدخل بنو إسرائيل واتبعهم آل فرعون، فلما خرج آخر بني إسرائيل ودخل آخر آل فرعون أطبق الله عليهم البحر.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: نزل جبريل يوم غرق فرعون وعليه عمامة سوداء.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء قال: «جعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفق بيديه، ويعجب من بني إسرائيل وتعنتهم لما حضروا البحر، وحضرهم عدوهم. جاؤوا موسى فقالوا: قد حضرنا العدوّ فماذا أمرت؟ قال: أن أنزل ههنا، فاما أن يفتح لي ربي ويهزمهم، وأما أن يفرق لي هذا البحر. فضربه فتأطط كما تتأطط الفرش، ثم ضربه الثانية فانصدع فقال: هذا من سلطان ربي. فاجازوا البحر فلم يسمع بقوم أعظم ذنباً، ولا أسرع توبة منهم».


{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فنظل لها عاكفين} قال: عابدين {قال هل يسمعونكم إذ تدعون} يقول: هل تجيبكم آلهتكم إذا دعوتموهم.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {إذ يسمعونكم} قال: هل يسمعون أصواتكم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8